كيف تختار و تجّهز الرئيس القادم من بعدك في الشركات العائلية

Written by:

هل تذكرون قصة “ملك جبنة الموزاريلا” التي حكيناها لكم سابقاً ..!

القصة لم تنتهي بعد .. فبعد أن تقاعد لينو بعد 35 سنة قضاها في رئاسة الشركة , كان لديه ابنان و وبنت . فمن اختار لينو لرئاسة شركته من بعده , و كيف اختاره , و كيف جهّزه لقيادة الشركة من بعده ..!

كان لدى لينو 3 أبناء , اثنان من الذكور و هما بالترتيب: جوي و لينو الأصغر , و بنت و اسمها: ناديا . حرص لينو على إحضار أبناءه للشركة منذ صغرهم ليعيشوا في أجواء المكان و يعتادوا على عالم التجارة و الأعمال . كما أنه كان يطلب منهم العمل في أوقات الفراغ و العطل الصيفية في الشركة بأي وظيفة حتى يتربوا في أجواءها منذ الصغر و يأخذوا بطبيعة العمل و الجد . مع مرور الأيام , لاحظ لينو أن ابنه “لينو الأصغر” كان مندمجاً في أعمال الشركة و محباً للعمل فيها , و انضم للعمل فيها منذ وقت مبكر . كما أنه أيضاً مهتم و ملتزم بالمحافظة على تراث العائلة .. 

“لينو الأصغر” انضم للعمل في الشركة منذ الـ 13 من عمره . كان يعمل في مسح البلاط و تنظيف الأرضيات في أرض المصنع . ثم تحصل على ترقية ليكون مصنّعاً للجبن . و في خلال دراسته الجامعية , كان يقود الشاحنة لتوصيل الجبن إلى المطاعم و السوبرماركت , و استمر على هذا الحال حتى تخرج من الجامعة . تم تعيينه بعد ذلك مساعداً إدارياً , و كان عمره آنذاك 21 عاماً . و بعد عامين , أصبح مديراً لأحد المصانع في مقاطعة أونتاريو . و عندما بلغ الـ 26 من عمره أصبح نائباً للرئيس في قطاع التشغيل . ثم بعدها بخمسة أعوام , أصبح نائباً أعلى لرئيس الشركة . ثم انضم لمجلس إدارة الشركة بعدها بثلاثة أعوام , و كان عمره آنذاك 34 سنة ..

في عام 2003 بلغ عمر لينو الأب 66 عاماً و أراد التقاعد , فقام بتشكيل لجنة لاختيار الرئيس القادم , مكونة من مدراء الشركة من خارج العائلة و من داخلها . قامت هذه اللجنة بترشيح “لينو الأصغر” ليكون رئيساً للشركة بعد أبيه بعد أن رأوا فيه ما يثبت لهم جديته و جودة عمله . فقد جربوه موظفاً معهم لمدة 22 عاماً , ترّقى خلالها من ممسح بلاط إلى نائبٍ أعلى للرئيس ..

بدأ لينو الأب بترك المهام تدريجياً لابنه “لينو الأصغر” لكنه لا يزال رئيساً للشركة , و أعطى ابنه كامل الصلاحيات ليتصرف كرئيس تحت إشرافه و تدريبه . استمر هذا الحال لمدة سنة: لينو الأب هو الرئيس اسماً , و لينو الأصغر هو الرئيس الفعلي تحت أعين والده . فلما أخذ لينو الأصغر ما يكفيه من إرشادات و توجيهات , قام لينو الأب بالتقاعد في عام 2004 , و أعلن “لينو الأصغر” رئيساً رسمياً لشركة Saputo .

هذه السنة الانتقالية كانت مهمة جداً للأب ليطمئن على قيادة شركته من بعده , و للابن حتى يتدرب تحت أيدي احترافية و يكسب الثقة في نفسه أكثر , و للموظفين حتى يثقوا برئيسهم الجديد , خصوصاً أنهم قضوا 35 سنة تحت قيادة لينو الأب المستقرة دون تغيير أو اضطراب . كما أنها مهمة أيضاً لموردي الشركة الذين قضوا عمراً طويلاً لا يتعاملون فيه إلا مع لينو الأب , لتنقل ثقتهم و ولاءهم للينو الأصغر دون تغيير أو إضطراب في المعاملة , فهم يعلمون أن لينو الأب قريب و متابع لابنه ..

كما أن لينو الابن و إن كان قريب الأطباع من أبيه , إلا أنه يملك شخصية مثقفة و مختلفة نوعاً ما . و كان بحاجة إلى بعض التغييرات الإدارية في إدارة الشركة و عملياتها لتتناسب مع رؤيته و طبيعة عمله الإداري . فكانت هذه السنة الانتقالية مناسبة لترسية القواعد و تحريك الأحجار بما يتناسب معه , و تحت إشراف أبيه الخبير ..

إذن , ماهي خطة النجاح ؟ و ماذا يجب على الآباء فعله لتستمر الشركات العائلية عبر الأجيال:

1- تهيئة النشئ:

مناقشة أمور الشركة أمام الأبناء و مراقبة اهتماماتهم و توجيههم بشكل صحيح , و تجهيزهم ليفترضوا مكانهم في قيادة الشركة حتى قبل أن ينضموا لها لتعطيهم حافز الإنتماء ..

2- ضمَ الأبناء للعمل في الشركة:

يجب أن يكون توظيفهم في مكان مناسب . و هناك حالتين في ضمّ الأبناء للعمل في الشركة:

إما ضمّهم للعمل منذ الصغر , كأوقات خارج الدوام و في العطل الصيفية و غيرها . و يبدأ من أول السلم حتى يكسب المهارات الضرورية و يكسب احترام الموظفين و تقديرهم , ثم يترقى تدريجياً ..

أو أن يعمل خارج شركة العائلة و يكسب خبرة مختلفة , ثم يلتحق بالشركة فيما بعد ..

3- اختيار الرئيس القادم:

يجب أن لا يكون اختيار الرئيس القادم بناء على العاطفة أو على السن , فيختار الأب أحب الأبناء إلى قلبه أو يختار الأكبر سناً . بل يجب أن يكون اختيار الرئيس القادم مبني على معايير موضوعية كالاهتمام و الجدية في العمل , و محبة العمل و مجال التجارة , و المهارات الإدارية و القيادية , و القبول بين أفراد العائلة , و دعم أفراد العائلة و موظفي الشركة له ..

4- النقل التدريجي للصلاحيات:

هذه الخطوة مهمة جداً لتسهل على الأب ترك رئاسة الشركة لابنه , فهو بحاجة إلى أن يطمئن أن كل شيء سيكون على ما يرام في غيابه . فهذه الخطوة هدفها إزالة الخوف من قلب الرئيس الحالي , و إزالة العوائق أمام الرئيس القادم و تدريبه و تمهيد الطريق له ليكيّف نفسه على المنصب الجديد و يمتص صدمة البداية ..

5- إعادة هيلكة الشركة:

الهدف الأول من هذه الخطوة هو لضبط مقعد الرئاسة بما يتناسب مع مواصفات و طريقة الرئيس الجديد الإدارية . و الهدف الثاني هو أنه في كثير من الأحيان يكون هنالك أكثر من ابن يعمل في الشركة , فتحتاج الشركة إلى إعادة هيلكتها لتتناسب مع استحداث المناصب أو التفريع الجديد في قيادة الشركة أو فصل الأنشطة أو المنتجات أو المناطق عن بعضها ..

6- دور أفراد العائلة و كبار الإداريين خارج العائلة:

يجب أن يُشجع أفراد العائلة و كبار الموظفين من خارج العائلة في المشاركة باختيار الرئيس القادم , فهذا أدعى لقبوله و دعمه . كما يجب أن يُؤخذ في عين الاعتبار خبراتهم و تلبية طلباتهم قدر المستطاع ..

7- الوصية:

يجب أن يناقش الأب مع أبناءه وصيته و يسمع وجهات نظرهم فيها و يأخذ فيها قدر المستطاع , لأنهم هم من سيعملون بها بعد موته . فكلما زادت قناعاتهم في وصيته , كلما أتقنوا تنفيذها . و الشركة هي إحدى ما يتركه الأب لأبنائه من بعده , و كلما كانت الوصية فيها مُتفق عليها من قبل , كلما قلت الإختلافات فيما بينهم و كان استمرار الشركة من بعده أيسر . فأكثر ما يعرّض الشركات للبيع أو الإغلاق هو اختلاف الورثة فيها و رغبتهم في تسييلها ..

و من الأفضل , أن يجعل الأب في وصيته شرطاً يُلزم الراغبين من الورثة في تسييل نصيبهم بأن لا يضروا أداء الشركة و يضمنوا استمراريتها ..

المصدر: محاضرات الدكتور بكر ابراهيم و كتابه الرائع في إدارة الأعمال الناشئة و الصغيرة .. بتصرف ..

أضف تعليق